ويقف العراقي وراء التخطيط لعدة عمليات، آخرها التخطيط
لتفجير مقام السيدة زينب في محيط العاصمة
دمشق، حيث نجحت السلطات الأمنية السورية في احباط العملية التي كانت تسعى لاشعال
فتنة طائفية، على غرار تفجير المراقد في مدينة سامراء العراقية، وتتيح لدول إقليمة
معينة التدخل في الشأن السوري بدعوى حماية الأقلية العلوية.
في هذا التحليل السياسي أحاول سبر أغوار وأبعاد و دلالات نجاح
جهاز الاستخبارات السوري بحكومة الشرع، بهذه
العملية التي تحمل في طياتها رسائل معقدة حول تطور القدرات الأمنية السورية في
محاربة الإرهاب، ما يفتح تساؤلات بشأن دور الأكراد في المرحلة المقبلة، الذي عولت
عليه الولايات المتحدة في محاربة التنظيم، وهو ما تعارضه تركيا والحكومة الجديدة
في سوريا، وهذا النجاح قد يعيد النظر في هذه العلاقة ويؤثر على الخطاب السياسي
الغربي عموما حيال دور الأكراد بمستقبل الحرب ضد الإرهاب في سوريا.
أولا- الدلالات السياسية
1-رسائل سياسية
حكومة الشرع ومن خلال هذه العملية النوعية الاستخبارية الناجحة،
سعت لإرسال رسائل سياسية إلى القوى الكبرى، خاصة الولايات المتحدة الامريكية، بأنها
مسيطرة على الوضع وأن قدرتها على ملاحقة الإرهاب لا تقل عن قدرة أي دولة أو نظام
مستقر، وهي أجدر وأقدر من نظام الأسد المخلوع.
كما أنها أرسلت رسائل قوة للأطراف الإقليمية والدولية التي
تستخدم المجاميع الإرهابية لزعزعة الامن وإشاعة الفوضى كما حصل في العراق، النجاح
الأخير مبني على النجاح في افشال تفجير مرقد السيدة زينب، ما يعزز من موقف
الحكومة في التسويات السياسية المستقبلية، ويمكن ان نسميه استعراض قوة بمجال
مكافحة الإرهاب
2-كفاءة ومهنية
نجاح الاستخبارات السورية حديثة التشكيل، في اعتقال أبي الحارث
العراقي يعتبر خطوة مهمة في إثبات قدرة وكفاءة جهاز الأمن الاستخباري السوري على العمل بفعالية في
مكافحة الإرهاب داخل سوريا وخارجها، من خلال جمع المعلومات أو التحري والمتابعة والتعامل مع خلايا التنظيمات
المتطرفة، حيث فشل نظام الأسد المخلوع على مدار سنوات طويلة بتأمين البلاد، رغم
الدعم الروسي والإيراني غير المحدود.
وفي ذات الوقت تساهم هذه الإنجاز ات في تعزيز شرعية حكومة احمد الشرع
داخليا وخارجيا، فالحرب على الإرهاب تعزز موقف الحكومة أمام الشعب السوري والمجتمع
الدولي، والمحيطه العربي والإقليمي.
إذ يعد اعتقاله أبي الحارث العراقي الذي كان يشغل دورا حيويا في
التخطيط والتنفيذ لعمليات داعش، ضربة مباشرة لاستراتيجية التنظيم في العراق وسوريا،
وهو مقدمة لاعتقال عناصر بارزة أخرى داخله، الامر الذي سيؤدي لاضعاف داعش، ويضرب
قدرت التنظيم على إعادة بناء خلاياه النائمة، أو تنفيذ عمليات جديدة داخل سوريا.
ثانيا - الابعاد الاستراتيجية
-إذا ما واصلت حكومة الشر ع تحقيق المكاسب على المنظمات الإرهابية
والخارجة عن القانون، فإن ذلك سيؤدي حتما إلى تغيرات استراتيجية في خارطة توزيع
القوى على الأرض، فمنذ صعود (داعش) عام 2014، اعتمدت الولايات المتحدة على تحالفات
محلية في محاربة التنظيم، ومن أبرز القوى
المحلية ما يسمى بقوات سوريا الديمقراطية المعروفة اختصار بـ (قسد) المشكلة بشكل
رئيسي من وحدات حماية الشعب الكردية (YPG).
- في ظل الاستراتيجية الأمريكية هذه، لعب الأكراد دورا حيويا في
تحرير مناطق كبيرة من قبضة داعش بسوريا، على طول الحدود السورية العراقية، وتشير تقارير
مراكز التفكير الأمريكية مثل؛ مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD) ، ومعهد واشنطن
لسياسات الشرق الأدنى، إلى أن واشنطن كانت تعتمد على الأكراد بشكل كبير لملء الفراغ الذي تركته القوى المحلية الأخرى
بعد انسحاب القوات الأمريكية من بعض المناطق، ومن هذا المنطلق، فإن عملية الاعتقال
والنجاحات الاستخبارية الاخرى ستفرض معادلات جديدة على الأرض، وستؤدي إلى تراجع
الدور الكردي في المرحلة القادمة، فحجة واشنطن بدعم هذه القوى كانت محاربة
الإرهاب، ومع وجود دولة قوية ستبطل هذه الحجة وستكون الإدارة الامريكية في وضع حرج
أمام الحليف التركي الذي ما فتأ يطالبها بوقف دعم المجاميع الكردية.
-اعتقال هذا القيادي البارز قد يعكس تحسنا في التنسيق الاستخباري
بين دمشق وحلفائها، وهو ما يقلق حلفاء واشنطن في المنطقة، التقارير الصحفية
الأوروبية الصدرة من وسائل اعلام مثل (الجارديان) و (فرانس 24) تناولت الحديث من
زاوية كيف أن تطور الأجهزة الاستخبارية السورية، بالتزامن مع النجاح في الاعتقال،
قد يشير إلى إعادة ترتيب الأوراق فيما يخص التنسيق الإقليمي لمحاربة التنظيمات
المتطرفة، وهو ما قد يقلل من فعالية الاستراتيجية الأمريكية التي اعتمدت على
الأكراد كحليف رئيسي في الحرب ضد داعش.
-وبالنظر الى تاريخ العلاقة الأمريكية الكردية، نجد أن الأكراد
أحد الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة في سوريا في السنوات الأخيرة، ولكن
العلاقة بين الطرفين كانت دائما محكومة بالشكوك. على الرغم من الدعم العسكري
والتدريبي الذي قدمته واشنطن للأكراد، فإنهم كانوا يعلمون أن هذا التحالف ليس دائما،
ويخضع للتحولات السياسية، ومع اعتقال أبي الحارث العراقي والأنباء عن تقدم الحكومة
السورية في استعادة المزيد من الأراضي، قد يبدأ الأكراد في إعادة تقييم علاقتهم مع
الولايات المتحدة.
-وقد أشارت صحيفتا (وول ستريت جورنال) و (نيويورك تايمز) إلى هذه
الجزئية في تغطيتهما لخبر الاعتقال، وذكرت بان هناك قلقا متزايدا في صفوف الأكراد
بعد تزايد الضغوط التركية والإيرانية، وفي ظل تراجع الدعم الأمريكي بعض الأحيان، كما
حصل في عملية الانسحاب الأمريكية المفاجئة من مناطق في شمال شرق سوريا عام 2019.
-وفيما يحاول الأكراد ان يصبحوا جزءا من الحل السياسي طويل
الأمد بسوريا الجديدة، مع الاحتفاظ بسلاحهم الذي اصبح خارجا عن القانون، فإن هذه المستجدات
ستضع صانع القرار الكردي في وضع حرج، وقد يستسلمون للأمر الواقع بعد الانسحاب الأمريكي
الكلي الذي وعد به ترامب، فيسلمون سلاحهم مكرهين، ما يمكن الدولة السورية من تقليص
مساحة مكاسبهم السياسية، التي كان يمكن ان تكون أكبر لو أنهم تجاوبوا مع عملية
تسيلم السلاح الطوعية التي عضرت عليهم.
الحجة الأمريكية بدعم الاكراد كانت تقوم على أنهم يملكون القدرة على مكافحة التنظيمات الإرهابية بشكل فعال في المناطق التي انسحب منها نظام الأسد، ولكن مع هذا التطور الجديد، قد يكون من الصعب استمرار هذا الخطاب كما هو، وبناء عليه ممكن أن يتطور النقاش داخل الولايات المتحدة بشأن الاستراتيجية المثلى لمكافحة الإرهاب في المستقبل، مع الأخذ بعين الاعتبار تراجع دور الأكراد، وإن كانت هناك رغبة في تقليل الاعتماد على القوى المحلية لصالح التنسيق الأمني مع الحكومة الشرعية في دمشق.