JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
المدونة الشخصية
Black Modern Vlogger YouTube Banner بواسطة hikmet2023 istanbul
الصفحة الرئيسية

المراجعات إكسير الحياة للأمم والجماعات

 


حين نُعمل النظر في الوجود من حولنا نجد أنه محكوم بالفناء، حيث اقتضت سنة الله في الكون أن لا يدوم من الأحياء إلا وجهه الكريم؛ فدورة حياة الأحياء تبدا بالميلاد فالفتوة فالشباب فالشيخوخة ثم الفناء.

بالمقابل نجد أن سنن الله تعالى اقتضت ان تخلد الأفكار، وتتناقل عبر الأجيال ما تعاقب الليل والنهار، شرط أن تتخذ تلك الأفكار أسباب البقاء والدوام والاستمرار، وإلا فان الفناء مدركها لا محالة وفق دورة حياة الكائنات الحية، فالأفكار التي تبني الأمم والجماعات تمر بمراحل حياتية كما يمر الفرد العادي من دورة حياتية، إذا لم تدرك أسباب الشيخوخة والفناء حتى تتجنبها، فإنها لا محالة آتية عليها، ومن هنا كانت منهجية المراجعات إكسيرا لحياة الأمم والجماعات.

خصوصا في عصر التسارع الزماني الذي أفضى إلى تسارع في عمليات التغيير على حياة البشر، فالجماعات والافكار التي لاتملك مرونة لاستيعاب المتغيرات، فتتغير وسائلها وتتقدم لتواكب المستحدث تدركها سنة التقادم، وحين يعز عليها التجدد في هياكلها ومناهجها ومنطلقاتها تدركها سنة التبدد.

يقول الدكتور وائل شديد: "لم يعد التغيير أمرا اختياريا، بل أضحى أمرا حتميا لبقاء المؤسسة أو الدولة في موضع تنافسي مناسب، ويحتاج التغيير إلى تجديد وإبداع خاصة عندما يتعلق بالمجتمعات وتركيباتها، وبالتالي يحتاج إلى عوامل نجاح عديدة، ويتطلب إبداعا في التصور والتطبيق، ومهارة في التخفيف من مقاومة الآخرين لهذا التجديد، سواء المقاومة الداخلية للتغيير بحجة عدم وجود حالة سابقة شبيهة بالفكر الجديد أو غير ذلك من الأسباب، أو بسبب مقاومة عوامل وعناصر المحيط الخارجي".

ويتحدث الشيخ حسن البنا في رسالة دعوتنا عن هذا الأمر فيقول: "إن مثل الأمم في قوتها و ضعفها و شبابها و شيخوختها و صحتها وسقمها مثل الأفراد سواء بسواء، فالفرد بينما تراه قويا معافا صحيحا سليما، فإذا بك تراه قد انتابته العلل وأحاطت به الاسقام" ويضيف "قل مثل هذا في الأمم تماما، تعترضها حوادث الزمن بما يهدد كيانها و يصدع بنيانها و يسري في مظاهر قوتها سريان الداء، ولا يزال يلح عليها ويتشبث بها حتى ينال منها فتبدو هزيلة ضعيفة يطمع فيها الطامعون وينال منها الغاصبون، فلا تقوى على رد غاصب، و لا تمنع من مطامح طامح، وعلاجها إنما يكون بأمور ثلاثة: معرفة موطن الداء، والصبر على آلام العلاج، والطبيب الحاذق الذي يتولى ذلك حتى يحقق الله على يديه الغاية و يتمم الشفاء و الظفر".

ولعل من أهم خصائص مرحلة الشباب؛ النمو والبحث عن الجديد، والمبادرة والعزم وعدم اليأس، وجموح الأمل وارتفاع الطموح وعلو الهمة، وتقديم المصلحة العامة على الخاصة، والاستعداد للتعلم، والانفتاح على الآخر والتعاون معه، ومن علامات الشيخوخة تراجع هذه المؤشرات وانقلابها الى النقيض تماما.

من الذي يقوم بالمراجعة؟

إذا ما سلمنا بصواب ما تقدم، فإن المراجعات تبدأ بعملية التقييم الذاتي، والتي ينبغي أن تعيد التفكير والإجابة على الأسئلة المحورية التالية:

ما هي مهمتنا؟ من نستهدف؟  وما هي خطتنا؟ ما هي نتائجنا؟ ولماذا أخفقنا؟ وكيف نستفيد من السنن الإلهية في مسارنا الإصلاحي؟ وكيف نجعل الدعوة والإصلاح منهج أغلبية الناس؟ .

حين نعود إلى سيرة الجماعات التي تعيش سنوات الشيخوخة التي تهيئها للاندثار في العالم الإسلامي، خصوصا الجماعات التي تعمل بمرجعية إسلامية، نجد أن مرجعيتها الإدارية والتنظيمية والفكرية تؤمن بالمراجعات سبيلا للنهوض والخروج من حالة الشيخوخة، والتجديد الذي يعيد إلى أفكارها وحركتها دماء الشباب، وبالتوازي نجد في ارشيفها العديد من جلسات المراجعات التي ترقى بعضها الى أن تكون مؤتمرات، لكنها لا تعدو ان تكون مجرد مراجعات شكلية تعمل على ذر الرماد في العيون، تدور في فلك الوهم الذاتي والإيهام للقلة الغاضبة من حالة الدوران في حلبة المراوحة والمراوغة، والخروج من دائرة الفعل.

ومرد ذلك في تقديري لا يتعلق بالإيمان بالمراجعات كمنهجية، بل بالقائمين على عملية المراجعات، فالأشخاص الذين قادوا العمل وتسببوا بالفشل، ونتج عن ممارساتهم نقل الفكرة من الشباب إلى الشيخوخة، يرفضون مسألة تحمل المسؤولية فرديا ويطالبون ان تتحمل الجماعة التبعة بكليتها، رغم أنهم مارسوا صلاحياتهم بفردانية فرضتها اللوائح أو الأعراف أو عمليات الاحتيال على النصوص والممارسة التي تميل بالنفس إلى الانفراد بالسلطة وتهيئة أسباب هذا التفرد بكل الوسائل والطرق المشروعة وغير المشروعة.

ومرد ذلك بطبيعة الحال الى النفس الإنسانية التي تميل الى عدم تحمل تبعات الأخطاء فرديا، مالم تكن هذه النفس قد طوعت لمنهج الوحي الذي جعل تحمل التبعة عبادة وتقرب، يقول يان هاغِن الأستاذ المشارك في كلية إدارة الأعمال بالجامعة الأوروبية للإدارة والتكنولوجيا في برلين:

"إن المشكلة المتعلقة بتجنب تحمل المسؤولية حين تمضي الأمور على نحو خاطئ، شائعة بين كل فرق العمل تقريبا على اختلاف أنواعها، فالإقرار بأي مشكلة ليس أمراً يسيراً قط، حتى في المؤسسات الكبيرة".

وأضاف: إن "المشكلة الكامنة في منظومة الإنكار هذه، أنها تفقدك فرصة استخلاص الدروس مما تقع فيه من أخطاء؛ بدلاً من ذلك، يتعين عليك بعد الإقرار بفشلٍ ما، أن تعمل على تحليل أسباب الأخطاء التي وقعت، وهو ما سيساعدك على التعرف على كيفية تفادي حدوث ذلك في المستقبل، فعندما تسير الأمور على ما يرام، نتحدث عن ذلك ونتعلم منه، ولكن عندما يسود الخوف من الفشل في أي مؤسسة، يفقد الناس فرصة استخلاص العبر بشأن كيف حدثت مشكلة ما، وكيف يمكن تجنب حدوثها مرة أخرى".

لذلك توجه عمليات المراجعات داخل الجماعات المؤمنة بها شكلا لتتطابق نتائجها مع ما تقدم، نظراً لان صاحب قرار المراجعات هو المسؤول عن الانحرافات، فتتشكل لجان المراجعات من أشخاص كانوا في قلب العمل التنفيذي، ومعهم ثلة من أصحاب التخصصات المنتفعين من الوضع القائم وهذا شرط اختيارهم الوحيد، لتأتي نتائج المراجعات هزيلة هزالة الواقع المرير.

تجربة من الواقع المادي

شركة نيسان اليابانية التي تأسست عام 1910، تعد اليوم واحدة من عمالقة صناعة السيارات في العالم، مرت بفترة ركود وتراجع في العقد الأخير من القرن العشرين، بلغت بها حد الإفلاس والاندثار  بعد تراجع مبيعاتها وبلوغ مديونيتها إلى 20 مليار دولار، وقد عملت الشركة خلال عقد على اجراء المراجعات الداخلية للوقوف على أسباب الفشل، واستبدلت كوادرها مرارا دون ان تحقق أي نتيجة تذكر.

وقد وصل اليابانيون الى حقيقة مفادها أن المراجعات التي تجريها الإدارات التي تسببت بالفشل لن تحقق النتائج المرجوة، وان الحل يكمن في اجراء مراجعات يجريها طرف خارجي، فكان ان توصلت إلى اتفاق مع أشهر شخصية في عالم صناعة السيارات بداية الالفية من خارج منظومة نيسان واليابان بأكملها، إنه الفرنسي من أصول لبنانية كارلوس غصن، الذي أنقذ الشركة من الإفلاس عام 2000، وأنهى عشرين مليار دولار من الديون خلال ثلاث سنوات فقط، وتحولت الشركة من حالة الخسارة السالبة إلى حالة الإنتاج والمنافسة الموجبة، محققا ما وصفه اليابانيون بالمعجزة التي عجزوا عن تحقيقها في عقد؛ خلال ثلاث سنوات فقط..

خلاصة القول

التجرد ركن ركين في بناء أي نظام مؤسسي في العالم، ولا يُؤثر عن فكرة حق او ابطل، أنها انتشرت ولاقت رواجا وتدفقت فيها الدماء والحياة على مدار تاريخ البشرية، إلا كان سبب ذلك تجرد أصحابها لها وتفاني ذواتهم في سبيلها، وما اندثرت تلك الأفكار بعد الانتشار؛ إلا حين تعاقبت الأجيال وتعطلت ماكنة انتاج المتجردين، وصار الأمر إلى أصحاب المصالح، وهذا ما حصل مع دعوات الأنبياء، حين تتوالى الأجيال وتتقادم الدعوة ويأتي جيل الشح المطاع والهوى المتبع وإعجاب كل ذي راي برأيه، تحل عليه لعنة الزوال فيأذن الله بارسال نبي مصلح للبشرية من جديد يعمل على نشر الفكرة وتربية المتجردين لها، وهكذا تدور الدائرة.

إن المراجعات الحقيقة لا يمكن ان تتحقق على أيدي الفاسدين أصحاب الاهواء والمصالح، بل تحققها قلوب تجردت لها وتفانت في سبيل الفكرة.


إقراء لي كذلك:

غياب التدافع بين البرامج في العمل الإسلامي يفضي للانشقاقات

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    الاسمبريد إلكترونيرسالة