أصحاب
المعالي والقدر الرفيع؛ أناس نعرفهم بهندامهم الراقي وسياراتهم الحديثة، تاجر يبذل
ماله في الخيرات والمبرات، وكاتب ملئ الفضاء اسمه بما انتج من مقالات وكتب
ومؤلفات، وقيادي يتزلّفُ له الناس فرادى وجماعات، واستاذ يحمل أعلى الشهادات،
ووجيه ضاقت بصدره النياشين والاوسمة والشارات.
مشاهد لصنف مختلف من أصحاب المعالي والمقامات الرفيعة:
*المشهد الأول.. الاعرابي الدميم*
المكان
طرقات المدينة المنورة، والزمان خير الأزمان، يسير في طرقاتها النبي صلى الله عليه
وسلم خير ولد عدنان، فيلمح الاعرابي الدميم زاهرا يبيع متاعه وهو الرجل المنبوذ
بين الناس فهو غير ذي شأن.
يحتضنه
النبي صلى الله عليه وسلم من ظهره، ويحتجز بين ذراعيه جسده، فيحاول زاهرا أن يفهم
ويصارع محتجزه داعياً إياه أن يرسله، وسرعان ما أدرك الأعرابي أنه رهين القبضة
الشريفة، فيرخي ظهره للنبي يبتغي المزيد من عطره الشريف.
فيعلن
النبي في السوق ممازحا (من يشتري هذا العبد .. من يشتري هذا العبد)، فيزهر قلب
الرجل المحظوظ وقد دانى بحضن النبي أطباق الثرى عزا وسؤددا، فيقول بقلب كسير؛ كسره
النبذ الاجتماعي الذي يهب المقامات على مقاسات غير مقاسات الله ورسوله صلى الله
عليه وسلم (يا رسول الله إذا تجدني كاسدا) رحم الله امرئا عرف عند الناس قدره،
وجهل أنه عند الله من أصحاب المعالي والقدر الرفيع.
النبي
صلى الله عليه وسلم: لكنك عند الله غال..
*المشهد الثاني.. اليمني الاشعث*
القرن
خير القرون، الموقع منصة استقبال الوفود، وفيه ثمة وفد قادم من اليمن.
يقف
في الاستقبال رجل طويل القامة من يراه من بعيد يظنه راكبا، إنه الخليفة الفاروق،
يبحث عن رجل واحد من رجال اليمن..
يسال
الركبان: (أفيكم أويس بن عامر؟).
لا
شك أنه من أصحاب المعالي والقدر الرفيع حتى يتكلف البحث عنه عمر، تمر الوفود تباعا
وابن الخطاب في شغل يسأل عن أويس القرني، حتى عثر عليه.
فَقَالَ : أَنْتَ أُوَيْسُ بْنُ
عَامِرٍ؟ قَالَ : نَعَمْ.
قَالَ : مِنْ مُرَادٍ ، ثُمَّ
مِنْ قَرَنٍ؟.
قَالَ : نَعَمْ.
قَالَ : فَكَانَ بِكَ بَرَصٌ
فَبَرَأْتَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ؟.
قَالَ : نَعَمْ .
قَالَ لَكَ وَالِدَةٌ؟ قَالَ:
نَعَمْ .
لهذا
القدر بلغت قدرة استخبارات الدولة الفتية، حتى عرفت موضع درهم في جسد رجل من
الرعية، فمن الرجل ولما يظهر على ثيابه أو مركبه أنه من أصحاب المقام الرفيع؟.
يقول
عمر؛ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ:
*(يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ
بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ، مِنْ مُرَادٍ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ،
كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ
بِهَا بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ
يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ).*
تكشّفت الحقيقة؛ إنه الخليفة صاحب
المصلحة، يبحث عن اشعث أغبر قادما من اليمن، كي يستغفر له، فكان له ما أراد.
عمر: أين تريد؟.
أويس: الكوفة.
عمر: ألا أكتب لك إلى عاملها كي
تنال ما تستحق من الحفاوة والاستقبال، تليق بأصحاب المقام الرفيع؟.
أويس: بل أكون في غبراء الناس أحب
إلي.
*سؤال يبحث عن إجابة:*
*هل
بيننا بقية باقية من أصحاب المعالي والقدر الرفيع، يعيشون في أغمار الناس، لا
يتكلف أحدنا السؤال عنهم، بلغت بهم البساطة قدرا حتى أن عيوننا لا تلحظ حضورهم
فكيف بهم إذا غابوا!!؟.*
*هل تعرفون واحداً أطلبه لعله يستغفر لي؟..*
*وجب
التنبيه إلى أن:*
المقال
مبني على حديثين صحيحين تم سبكها في سياق قصصي.