أعاد السجال الدائر بين قيادات حركة "النهضة" التونسية حول مستقبل التداول على المناصب القيادية في إدارة شأن الحركة استعدادا لمؤتمرهم 11، إلى الواجهة مسألة التناوب على المناصب القيادية لدى التنظيمات الإسلامية بشكل عام.
والحقيقة
أن هذا السجال المثار في تونس هذه الأيام، ليس هو الأول من نوعه، لا في تونس ولا
في باقي التنظيمات المحسوبة على تيار الإسلام السياسي في المنطقة العربية
والإسلامية.. لكن الجديد في هذا الملف أنه يأتي بعد نحو عقد من الزمن من اندلاع
ثورات الربيع العربي، وانتقال الإسلام السياسي من المعارضة إلى الحكم، ومن السرية
إلى العلن..
وعلى
الرغم من أن عددا من الحركات الإسلامية تعاملت بسلاسة مع مطلب التداول السلمي على
المناصب القيادية كما هو الحال في مصر والمغرب وموريتانيا وفلسطين مثلا، إلا أن
هذا التداول لم يسلم من خدوش سياسية وأحيانا شخصية طبعت تاريخ الإسلام السياسي
الحديث..
"عربي21"، تسأل: كيف تعاطى
الإسلاميون مع مطلب التداول السلمي على المناصب القيادية في تنظيماتهم؟
الكاتب والإعلامي العراقي محمد صادق أمين يعرض لتجربة الإسلاميين في العراق وتعاطيهم مع مسألة التداول على المناصب القيادية..
التأسيس والمسار
تأسست
جماعة الاخوان المسلمين في العراق على يد الشيخ محمد محمود الصواف، بعد لقائه
الشيخ حسن البنا مؤسس الجماعة في مصر وتبنيه فكرها، وحصوله على تخويل بتأسيس العمل
في العراق من البنا في أربعينيات القرن العشرين.
بدأ
عمل الجماعة في العراق عام 1949، وكان مراقبها العام الشيخ الصواف، واتخذت لعملها
واجهة رسمية هي جمعية إسلامية باسم "جمعية الأخوة الإسلامية" أجيزت حسب
نظام الجمعيات العراقي، وعلى رأسها الشيخ أمجد الزهاوي، ثم أغلقت الجمعية عام 1954
بسبب فرض الأحكام العرفية في البلاد وحل البرلمان، ولقيامها بنشاط معارض للحكومة،
وقيل إن ذلك تم بتحريض من الرئيس المصري جمال عبد الناصر، الذي قاد حملة تصفية ضد
الإخوان في بلاده في تلك الفترة، لكن العمل استمر علنياً رغم ذلك.
بعد
الانقلاب العسكري في العراق عام 1958 الذي أطاح بالنظام الملكي، تعرضت الجماعة إلى
مضايقات اضطرت مراقبها العام الشيخ الصواف إلى مغادرة العراق؛ لكنها استمرت بعملها
المعلن، إلى أن صدر قانون الأحزاب السياسية عام 1960، لتتخذ واجهة سياسية تحت اسم
"الحزب الإسلامي العراقي" الذي ترأسه نعمان عبد الرزاق السامرائي، لكن
حكومة عبد الكريم قاسم حلت الحزب رسمياً بعد أقل من عام واحد على تأسيسه.
التبديل القيادي الأول
خروج
الشيخ الصواف مؤسس الجماعة إلى خارج العراق، ترك فراغاً قيادياً في التنظيم كما
يقول الدكتور زياد العاني، أحد أبرز قيادات الجماعة غرب العراق، وهو ما استوجب
إجراء تغيير في قمة الهرم القيادي.
العاني
أشار إلى أن مجلس شورى الإخوان المسلمين توافق على اختيار العلامة العراقي الشيخ
عبدالكريم زيدان عام 1960، ليكون مراقباً عاماً خلفاً للصواف، ومبرر التغيير كان
يستند إلى أن من يكون على رأس قمة هرم العمل التنظيمي ينبغي أن يكون متواجداً في
الميدان، ووجود الصواف خارج العراق جعل من الصعوبة بمكان أن يكون قادراً على إدارة
دفة العمل.
ولم
ينقل عن الصواف اعتراضه على قرار مجلس الشورى، فانتقلت قيادة العمل إلى زيدان
بسلاسة، لتبدأ مرحلة جديدة سيكون للقائد الجديد فيها بصمته على العمل وطريقة تسيير
الأمور التنظيمية، واختيار القيادات في مفاصله المختلفة.
مرحلة القيادة الشاملة
شخصية
زيدان العالم الأصولي، صاحب الكاريزما العلمية، الذي يعتد به من قبل مختلف
التوجهات الإسلامية في العراق، فرضت وجودها على عمل الجماعة، فانتقلت من مرحلة
الانتشار الجماهيري الأفقي، إلى مرحلة البناء العمودي للتنظيم، الذي يعطي لبناء
التنظيم الداخلي الأولوية في ممارسة العمل الدعوي.
وبحسب
الأستاذ إياد السامرائي الأمين العام السابق للحزب الإسلامي العراقي، وأحد أبرز
قيادات العمل الشبابي والطلابي في تلك المرحلة، والذي سيكون له دور محوري في إعادة
بناء التنظيم نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي، فإن العمل
القيادي في تلك المرحلة لم يشهد إشكالات بحجم كبير أو ذات أهمية تذكر.
ويعزو
السامرائي ذلك إلى أن عملية اختيار القيادات ومسؤولي مفاصل العمل كانت تتم
مركزياً، وتخضع لقرار المراقب العام حصراً، ولم يكن للأطر المؤسسية دور فيها،
فالدكتور عبدالكريم زيدان يختار الشخصيات القريبة من رؤيته، وبذلك تصبح مساحة
الاختلاف ضيقة في مثل هذه الحالات.
وأشار
إلى أن، مجلس الشورى الذي اختار زيدان ليكون مراقباً عاماً لم يكن يعقد إلا في
حالات قليلة، وطبيعة اللقاء الذي يعقد يكون لغرض التشاور والتحاور، ولغرض
الاستئناس برأيه دون أن يكون لقرارته طابع الإلزام، أو دور في ممارسة الدور
الرقابي للقيادة التنفيذية، كما هو الحال في المجالس الشورية المعاصرة.
قيادة العمل السري
وصول
حزب البعث العربي الاشتراكي إلى الحكم عام 1968، ترك أثره البالغ على الحياة
السياسية والاجتماعية في العراق، فالحكم بقوة الحديد والنار أغلق جميع المنافذ
التي كانت متنفساً للمجتمع عامة، والوسط السياسي خاصة.
وتحت
ضغط وتهديد نظام البعث، قرر زيدان تجميد عمل الجماعة عام 1970، بعد ملاحقة رجالها،
واعتقال عدد كبير من نشطائها، وإعدام آخرين من أبرزهم: محمد فرج الجاسم، وعبد
الغني شندالة، والشيخ عبد العزيز البدري.
قرار
حل العمل لم يكن خياراً مجمعاً عليه في مفاصل التنظيم، ولم يكن قراراً شورياً، بل
هو قرار المراقب العام الذي انفرد به وآثر بعده التفرغ لعمله العلمي والأكاديمي،
ثم غادر إلى خارج العراق بعد تحرير الكويت.
حل
العمل أدخل الجماعة في مرحلة جدل داخلي حول شرعية القرار، الذي حرم على أفراد
الجماعة أي تواصل تنظيمي، موصياً باعتماد الأفراد أسلوب الدعوة الفردية العامة.
التيار
الشبابي كان رأس الحربة في الاعتراض على الخطوة، وهو ما ترجم لاحقاً بإعادة العمل
التنظيمي نهاية السبعينيات، وكان على رأس العاملين لتحقيق هذه الغاية القائد
الطلابي إياد السامرائي خريج كلية الهندسة في جامعة بغداد عام 1970.
السامرائي
تحدث عن هذه الحقبة بالقول:
إن
القرار الذي اتخذ بتجميد العمل التنظيمي، لم يسر بذات الفاعلية على التنظيم
الطلابي، فهو لم يتوقف تماماً في كل مفاصله ولكنه بدأ فعلياً بعد عام على القرار،
أي عام 1971، وبشكل متدرج وفي نهاية السبعينيات شمل غالب الجامعات العراقية
والمحافظات العربية السنية.
ونوه
إلى أن العمل الطلابي وقياداته كانا نواة إعادة العمل في كل أنحاء العراق رغم
اعتراض زيدان على ذلك، مشيراً إلى أن اختيار قيادات العمل في هذه الفترة كان يجري
حسب نشاط المناطق، وفاعلية الأشخاص الذين فيها، دون أن يحدث خلافا له أثر يمكن أن
يذكر.
واستدرك
السامرائي، بأن عملية اختيار قيادات العمل في السبعينيات استمرت مركزية من قبل
المراقب العام كما ذكرت، وتم لاحقاً إضافة ثلاثة من القيادات الشبابية التي أفرزها
الميدان، لتكون جزءا من القيادة المركزية للجماعة، وهؤلاء وصلوا إلى القيادة بشكل
طبيعي، بسبب نشاطهم في مناطقهم حيث أثبتوا نجاحاً تنظيمياً مميزا، وكان لهم دور
بارز في الحفاظ على العمل بعد قرار التجميد.
قبضة
البعث المخابراتية التي سيطرت على مفاصل المجتمع العراقي بالكامل، لم تكن لتغفل عن
تحرك شباب الإخوان المسلمين في الساحة، فانكشفت قيادات العمل ونجح إياد السامرائي
بالهروب خارج العراق، فيما ألقي القبض على المهندس سرمد الدوري، الذي أعدم إلى
جانب ثلاثة آخرين في العاصمة بغداد، كما تم إعدام قائد العمل في محافظة ديالى (100
كلم شمال شرقي بغداد)، وحكم بالسجن المؤبد على أعداد كبيرة من قيادات الإخوان.
وبعد
نجاح السامرائي بالإفلات من قبضة نظام البعث، اختير الدكتور عبد المجيد السامرائي
ليكون على راس العمل، وفي هذه الفترة شهد عمل الإخوان توسعاً تنظيمياً شمل كافة
أنحاء العراق، وما لبثت أجهزة الأمن إلا قليلا لتطارد قياداته من جديد، بتهمة
المشاركة في تنظيم سري، وحكمت محكمة الثورة على قسم منهم بالإعدام، ثم خفف الحكم
إلى السجن المؤبد، وقد أطلق سراحهم عام 1991، ومنهم: عصام الراوي، وصابر
السامرائي، ومحمد فاضل السامرائي، ونصير العاني، وماهر النجم، ومحمد حمزة الدوري،
وعلاء مكي.
وتجاوز
عدد من تم اعتقالهم المئة والخمسين، وشملت أحكام الإعدام والسجن ما يزيد قليلاً
على الخمسين منهم، وبعد صدور الأحكام تم الإفراج عن غير المحكومين بعد فترة لا بأس
بها من الاعتقال باعتبار أنهم ليسوا قيادات في العمل.
الدكتور
زياد العاني، تحدث عن أن هذه المرحلة، بالقول إنها لم تشهد أي خلافات على تولي
المناصب القيادية في الجماعة، ويعزو ذلك إلى كون العمل سرياً ويتم في ظروف أمنية
قاسية لا تسمح بحدوث خلاف أو منازعة، كما أن تولي المناصب القيادية حينها كان يتم
بناء على أسباب ظرفية ومناطقية، فالشخص الأكثر نشاطا وفاعلية وحركية، ينال ثقة
أقرانه والقيادة المركزية بالتزكية.
الأزمة القيادية الأولى
لم
يلتزم شباب الإخوان المسلمين في العراق بقرار مراقبهم العام الثاني، العلامة
الدكتور عبدالكريم زيدان بحل الجماعة والاكتفاء بالعمل الفردي عام 1970، بل أعادوا
العمل على فترات متباعدة بشكل سري، تطاردهم أجهزة مخابرات حزب البعث العربي
الاشتراكي، وتوجه لهم ضربات متتابعة تنتهي بنشطائهم ما بين سجين ومحكوم بالإعدام،
وكان آخرها عام 1987.
الشيخ
زيدان الذي قاد التنظيم بقوة العالم الأصولي، لم يكن يرى بإلزامية الشورى في تسيير
عمل الجماعة، ولا يرى نهاية لولاية المراقب العام المنتخب من قبل مجلس الشورى سوى
بالموت، وبناء على ذلك اتخذ قراره بحل الجماعة عام 1970.
وبحسب
الأستاذ هاشم الطائي عضو البرلمان السابق عن الحزب الإسلامي العراقي، والقيادي
البارز في الجماعة خلال حقبة تسعينيات القرن الماضي، فإن زيدان لم يكتفِ بتجميد
العمل؛ بل أصّل للمسألة وأعطى فتوى بحرمة العمل الجماعي.
ويشير
الطائي إلى أن جميع محاولات إقناع الشيخ بإعطاء الإذن باستئناف العمل باءت بالفشل،
بل إنه كان يوبخ كل من يتواصل معه بهذا الشأن، وبذلك استمر العمل سرياً بعد إعادة
هيكلة التنظيم التي أعقبت محنة عام 1987.
وجود
الشيخ زيدان على رأس العمل، شكل أزمة قيادية أولى في عمل إخوان العراق، فالرجل
الذي معه الشرعية لا يعمل بالشورى؛ والتي يرجح العديد من المتابعين أنها كانت تميل
حينها لاستئناف العمل مهما كانت التحديات، ولا يقبل بالتنازل عن المسؤولية
باعتباره منتخباً مدى الحياة، وهو ما جعل العمل التنظيمي يمضي دون غطاء شرعي.
قيادة عمل التسعينات
بداية
حقبة التسعينيات من القرن العشرين، كانت مرحلة تحول في طبيعة النظام السياسي
العراقي إثر انتهاء الحرب العراقية الإيرانية عام 1988، وخروج العراق منهكاً
مثقلاً بتبعات الحرب وعلى رأسها أزمة الديون.
هذه
الأزمة قادت الرئيس العراقي صدام حسين إلى حماقة غزو الكويت، والتي جعلت الولايات
المتحدة الأمريكية تقود تحالفاً من 30 دولة لإخراج بغداد من الكويت، بعد تدمير
البنى التحتية للبلد باستخدام الآلة العسكرية الجبارة التي تمتلكها واشنطن.
تداعيات غزو الكويت، والذي أعقبه حصار اقتصادي
خانق وظالم على الشعب العراقي، إلى جانب خروج انتفاضة شعبية عمّت أكثر محافظات
العراق وضعت النظام على شفير السقوط، هذه العوامل شكلت دافعاً مهما في طريق تحول
النظام من الخصام الدموي مع الإخوان، إلى الموادعة الناعمة التي تغض الطرف عن
تحركهم الميداني الدعوي دون أن تسمح لهم بأي شكل من أشكال العمل المنظم.
ولم
يفوّت العاملون في الميدان هذه الفرصة، ليعيد التنظيم تشكيل نفسه، ويذكر هاشم
الطائي أن طبيعة عمل حقبة التسعينات لم تكن قائمة على شكل التنظيم الهرمي المتماسك
المعروف في الأحزاب والجماعات بسبب الظرف الأمني، إذ كان يتشكل مناطقياً بحسب ظرف
كل محافظة.
وتابع:
محاور العمل في المحافظات رأت عام 1992 أن الظرف أصبح مواتياً لإعادة التشكيل
الهرمي للتنظيم، فالتقت في العاصمة بغداد وبحثت آليات تتناسب مع الظرف السياسي
والأمني لتشكيل هياكل العمل واختيار القيادات.
واستدرك
الهاشمي: ولحل معضلة الشرعية التقت مجموعة من القيادات تضم إخوة الداخل والخارج في
تركيا، وأوفدت إلى الشيخ عبدالكريم زيدان الذي كان حينها غادر العراق واستقر في
الأردن، لإقناعه بإعطاء الإذن باستئناف العمل الحركي، إلا أنه أصر على موقفه
الرافض لإعادة العمل والتخلي عن تصدره له.
وتحدث
الطائي القيادي السابق في الجماعة عن أن الإخوان لم يجدوا وسيلة لإقناع زيدان
بالتخلي عن موقعه سوى أن يوفدوا إليه شخصية توازيه في المكانة العلمية، فوقع
الاختيار على القاضي الفقيه الشيخ فيصل مولوي رئيس الجماعة الإسلامية في لبنان،
الذي نجح في إقناعه خلال جلسة واحدة، فتخلى زيدان عن موقعه لتنتهي حقبته وتبدأ حقة
جديدة من العمل التنظيمي.
بعد
تشكيل مجلس الشورى المركزي الذي يقود العمل في العراق عامة، تم اختيار الدكتور
أسامة التكريتي مراقباً عاماً خلفاً للشيخ عبدالكريم زيدان، والذي كان مقيماً في
بريطانيا حينها.
ولتسيير
عمل الجماعة في الداخل اختير على رأس التنظيم الاستاذ حاتم أبا عدي بحسب الهاشمي،
الذي استدرك بالإشارة إلى أنه تم اختيار قيادات العمل في المحافظات وفق آلية
الانتخاب والتي اعتمدت على مبدأ التوافق بين نشطاء العمل المناطقي، مؤكداً أن
عملية الاختيار كانت تتم بسلاسة ولم تشهد أي خلافات ذات أهمية يمكن أن تذكر.
الحزب السياسي والجماعة
استمر
عمل الإخوان بذات الوتيرة في حقبة التسعينيات، وتمكن التنظيم من الانتشار والتوسع
مستغلاً حالة غض الطرف لدى النظام، وموظفاً ما عرف بـ (الحملة الإيمانية) التي
أطلقها صدام حسين، في توسيع مناشطه المختلفة، التي شملت العمل الشبابي والطلابي
خصوصاً الجامعي، وليمتد نحو المساجد متولياً تربية النشء واليافعين من خلال
الدورات القرآنية والتربوية المنتظمة، خصوصاً خلال فترة العطلة الصيفية.
هذا
الانتشار؛ مهد لدور محوري للإخوان بعد احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة
الأمريكية عام 2003، حيث أعادت الجماعة تأسيس الحزب الإسلامي العراقي الذي حله
عبدالكريم قاسم عام 1960، ليكون ذراعها السياسي في العملية السياسية الجديدة،
ولتصبح بذلك الجماعة بجانحين؛ الأول سياسي والثاني تربوي تنظيمي.
مجلس
الشورى الذي أسس للعمل السري عام 1992، التأم من جديد عام 2003 في العاصمة بغداد،
وانضم إليه آخرون لغرض توسيع دائرة الشورى، وتم مناقشة إمكانية العمل بشكل معلن،
وبحسب الطائي حدثت خلافات بين قيادات المحاور حول إمكانية الظهور العلني، من حيث
تقدير الموقف الأمني والسياسي للعراق والمنطقة.
وفي
عام 2004 توصلت الجماعة إلى قرار نهائي بالعمل المعلن من خلال واجهة سياسية هي
الحزب الإسلامي العراقي، فيما تبقى الجماعة متوارية في الظل وتستمر بعملها التربوي
والدعوي.
ويذكر
الهاشمي أن مجلس الشورى اختار الدكتور زياد الراوي مراقباً عاماً للجماعة، فيما
أصبح الدكتور محسن عبدالحميد أميناً عاماً للحزب الإسلامي العراقي، الذي خاض غمار
العملية السياسية مع باقي مكونات الشعب العراقي.
الكاتب والباحث العراقي فارس السنجاري، اعتبر عمل إخوان العراق في ظل النظام الجديد إيذاناً بدخول التنظيم في مرحلة جديدة، يختلف شكلاً ومضموناً وأسلوباً مع كل مراحل عملها منذ التأسيسي منتصف القرن الماضي.
وأضاف
سنجاري: أهم معالم هذه المرحلة هو؛ وجود قاعدة جماهيرية واسعة كشفت أن مؤيدي
الجماعة أكبر من حجم التنظيم السري بأضعاف مضاعفة، وهو ما انعكس في السمة الثانية
المتمثلة بالمشاركة في العملية السياسية والمشاركة في الحكم.
وتابع
الباحث المطلع على مجريات عمل الجماعة: أن هذا التحول جعل العمل القيادي يتحول من
دائرة المغرم الذي يمتاز به العمل السري، إلى دائرة المغنم الذي يمتاز به العمل
العلني؛ ليكون ذلك مدخلاً إلى سلسلة خلافات بين قيادة الجماعة والقيادة السياسية،
انتهت بفصل الحزب الاسلامي وقادته بالجملة من الجماعة عام 2019، بالإضافة إلى
مجموعة انشقاقات فردية وجماعية.
ونوه
السنجاري إلى أن الخلافات لم تقتصر على هذا الجانب، بل تطورت لتصل إلى دائرة قيادة
الحزب الإسلامي العراقي، فبعد أن اختار الحزب الدكتور محسن عبد الحميد أميناً
عاماً له، شهدت إدارته خلافات بين أركان الحزب على خلفية طريقة تعاطيه مع وجود
الاحتلال الأمريكي.
المختلفون
وجدوا أن الرجل يتعامل مع الأمر كمفكر واستاذ جامعي، في الوقت الذي يحتاج الأمر
إلى من يتعامل مع الأمر سياسياً وبأسلوب فيه حزم، فوقع الاختيار على السياسي
العراقي والضابط السابق في الجيش طارق الهاشمي ليخلف عبد الحميد في إدارة الحزب
عام 2006.
وبخروج
الهاشمي من المشهد عاد نجم إياد السامرائي للسطوع من جديد في سماء العمل السياسي،
وتمكن الحزب من تحقيق العديد من الإنجازات خلال هذه الفترة، أبرزها ترأس السامرائي
مجلس النواب العراقي (البرلمان)، وفي هذه الفترة كان الخلاف بين الحزب والجماعة
متجددا لكنه مستتر وراء الحُجب.
الفترة
الممتدة ما بين عامي 2018 و2019 شهدت خلافات حادة بين قيادات الحزب الإسلامي،
لأسباب عديدة يمتد جذور بعضها للخلاف مع قيادة الجماعة ونظرتها للأمور، وأهمها
مسألة التعامل مع إيران، فبعض قيادات العمل رأت أن المصلحة السياسية تقتضي التوجه
نحو التفاهم مع طهران كونها اللاعب الأول والأهم في المشهد العراقي، ويرى هذا
الفريق أن الوقوف بالضد منها جلب على الحزب والسنة العرب ويلات ومصائب خلال العقد
والنصف الماضي، وأن التفاهم مع طهران دون الإخلال بالثوابت سيوفر بيئة عمل مناسبة
تحقق المصالح وتدفع المفاسد.
في
المقابل يرى الفريق المعارض، أن هذا الاتجاه يعد خروجاً عن الثوابت الوطنية، حيث
يعتبر السواد الأعظم من العرب السنة الوجود والتأثير الإيراني في بلادهم احتلالاً
لا يختلف عن الاحتلال الأمريكي الذي أرغم على الخروج من العراق عام 2011 تحت وطأة
ضربات المقاومة السنية.
الخلاف
بين الطرفين انتهى بخروج قيادات بارزة من الحزب، مؤثرين الالتحاق بالجماعة الأم
التي قررت فصل الحزب الإسلامي وجميع أعضائه المتبقين من الجماعة فصلاً نهائياً لا
رجعة فيه.
وفي
مؤتمره الدوري الذي عقده الحزب الإسلامي بتاريخ 26 تشرين الأول (أكتوبر) 2019،
اختير رشيد العزاوي الذي تتحدث تقارير إعلامية عن كونه يقود التيار الداعي للتفاهم
مع إيران، أميناً عاما للحزب، وعمار يوسف نائباً سياسياً للأمين العام، وفارس يونس
نائباً ادارياً.
تقرير نشر في موقع العربي 21 في جزئين: