حمل نشطاء مجتمع
مدني، وحركات شبابية، مدعومة من مختلف الجهات السياسية في إقليم كردستان العراق،
نعشاً يرمز لاتفاقية "سايكس بيكو" في ذكراها المئوية، العام الماضي،
بأربيل عاصمة الإقليم الكردي في شمال العراق، معلنين موتها، وبدء مرحلة جديدة
لإعادة تقسيم المنطقة يكون للأكراد فيها دولة.
وجاء ذلك بعد أن
ظلمتهم الاتفاقية- من وجهة نظرهم- حين منحت القوميات والعرقيات الأخرى دولاً
مستقلة بعد سقوط الدولة العثمانية، من عرب وفرس وترك وأفغان وطاجيك، واستثنت
القومية الكردية.
جاءت المظاهرة مباشرة
بعد كلمة لرئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البارزاني، قال فيها: إن
"الاتفاقية ماتت، والأكراد وحدهم من سيقررون مصيرهم، كشركاء حقيقيين في
العراق أو جيران جيدين له".
الحشود الجماهيرية
التي رفعت شعارات "مع السلامة العراق"، و"باي باي عراق"،
و"نعم للاستقلال"، تمثل الطموح الكردي على مستوييه السياسي والشعبي،
والذي تجسد مؤخراً بقرار رفع العلم الكردي إلى جانب العراقي في كركوك، في إشارة
تدل على الضم الرسمي للمحافظة التي تعوم على بحيرة من النفط، بعد أن تم ضمها
عملياً؛ إلى جانب مناطق أخرى يصفها الأكراد بالمتنازع عليها، كأثر لتداعيات الحرب
على تنظيم الدولة، الذي هزم أمام قوات البيشمركة، التي أعلنت أنها رسمت بالدم حدود
إقليم كردستان.
كركوك قلب العاصفة
أصدر مجلس محافظة
كركوك، مطلع أبريل/ نيسان الجاري، قراراً برفع عَلم الإقليم فوق المباني الحكومية،
رغم تحذير بعثة الأمم المتحدة بالعراق من الخطوة؛ لكونها "تهدد التعايش
السلمي بين المجموعات الدينية والإثنية" في كركوك، التي تضم خليطاً من
القوميات من الأكراد والتركمان والعرب، وأقر مجلس محافظة كركوك لاحقاً إجراء
استفتاء في المحافظة بشأن الانضمام من عدمه إلى الإقليم، وصوّت أعضاء المجلس من
الكرد بالأغلبية على القرار، في حين قاطع الجلسة الأعضاء من المكونَين العربي
والتركماني.
مراقبون اعتبروا
الخطوة الكردية في كركوك مقدمة لإعلان رسمي عن الاستقلال، يضع العراق على محك
التقسيم، ويفرض الدولة الكردية كأمر واقع.
الكاتب والمحلل
السياسي، شاهو القرداغي، أكد لنا أن "وجود مؤسسات تشريعية وتنفيذية في
الإقليم، وإقدام حكومة كردستان على تصدير النفط دون الرجوع إلى الحكومة المركزية؛
خطوات رئيسية مهدت للاستقلال، وما جرى في كركوك لا شك أنه خطوة أخرى في هذا الطريق".
ورأى أن "توحد
القوى الكردية في هذه المرحلة، خصوصاً الحزبين الرئيسيين، الديمقراطي الكردستاني،
والاتحاد الوطني الكردستاني، وباقي أحزاب المعارضة، حول تأييد الخطوات المتخذة في
كركوك أعطى زخماً لمشروع الاستقلال".
الصحافي المستقل ناصر
أسعد الريكاني، المؤيد للاستقلال، رأى من جانبه أن "ضم مدينة كركوك للإقليم
خطوة مهمة يجب أن تتم قبل إعلان الاستقلال، لأنها مدينة كردستانية أولاً وأخيراً،
وقد يكون من الصعب ضمها إلى الإقليم بعد إعلان الاستقلال، بسبب حساسيتها من الناحية
الاقتصادية".
لكنه أشار في نفس
الوقت إلى أن كركوك "قد تكون حجر عثرة أمام الاستقلال في هذه المرحلة، لأنها
خطوة قد تغضب دول الجوار من العرب والترك والفرس، وهذا ما لا نحتاجه في طريق
الاستقلال، إذ يجب على الأقل تحييدهم إن لم نستطع كسب ودهم ودعمهم"،
مستدركاً: "وهكذا تصبح كركوك الداء والدواء، إذ كيف سيتم الجمع بين هذين
الأمرين؟ وهذا يتوقف على الدبلوماسية الكردستانية، ولا أظن أن لديها القدرة لعمل
هذا الإنجاز".
الموازنة الإقليمية والدولية
انفراد الأكراد بدولة
مستقلة عن العراق لا يتوقف على الإرادة والقرار الكردي، فهناك العامل الإقليمي،
الذي يجمع العراق وتركيا وإيران، في مواجهة المشروع، متجاوزين كل خلافاتهم، إذ إن
قيام الدولة الكردية يعني تفتيت هذه الدول التي قسمت "سايكس بيكو" الأكراد
في جغرافيتها، وهو ما عبر عنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حين طالب الأكراد
بإنزال العلم الكردي في كركوك.
وأشار إلى أن
"الموقف التركي حاسم في هذا الملف، وتركيا ترتبط بعلاقات استراتيجية مع
الأكراد، وليس من الواضح بعدُ هل كانت ستضحي بهذه العلاقة في سبيل الوقوف ضد
الاستقلال".
الريكاني رأى من جهته
أن "المؤشرات أمام القيادة والشعب الكردي تؤكد حدوث تغييرات مرتقبة في
المنطقة، ونحن نرى أنها تغلي، وسوف تتمخض عن معطيات جديدة، وستحدث تغييرات مهمة،
من خلال ولادة شرق أوسط جديد، ينتج عن تفكك العراق وسوريا، هذا التحليل يجعل
الظروف الخارجية مواتية للاستقلال".
استفتاء تقرير المصير
نهاية شهر مارس/ آذار
2017 استقبل رئيس إقليم كردستان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في
أربيل، وأكد له أن "الإقليم سيجري استفتاء على الاستقلال قريباً لإطلاع
العالم على إرادة الشعب الكردستاني وحقه في تقرير مصيره"، بحسب بيان نشرته
رئاسة الإقليم على موقعها الرسمي.
هنا يأتي موقف اللاعب
الأضعف في معادلة العراق، وهي حكومته، التي عبر عنها رئيس الوزراء حيدر العبادي في
مقابلة مع قناة "روداو" الكردية، أجريت بالتزامن مع زيارة غوتيريش
لأربيل، قال فيها: "الانفصال تطلع وتمنٍّ، وأنا أحترم التطلع والتمني، وأنا مع
حق الإنسان في ذلك، ولكن على الأرض هنالك مصالح يجب أن تحسب".
ووجه تساؤلاً
للأكراد: "هل تحقق مصالحك بهذا الاستقلال، أم تحقق مصالحك مع العراق
الواحد؟"، مستدركاً: "أنصح الكرد وجميع العراقيين أن يكونوا معاً،
والانفصال في هذه المرحلة يسبب ضرراً للعراق وللشعب الكردي نفسه، لأنك في محيط لا
يقبل ذلك وفي محيط معارض ستنحصر".