حين نعود للسيرة النبوية العطرة، نجد في ممارسة النبي صلى الله عليه وسلم الفعل الحياتي، حكمة ووعي، ورؤية منفصلة عن الهام الوحي، استندت إلى تصورات عميقة؛ وقراءة واعية لمحيط الدعوة والحوادث التي رافقت ظهورها، معتمدة على دراسة دقيقة، وحكمة وافية، ودراية أورثت قدرة على تقدير المواقف وحساب المعادلات.
*فحين
اختار الطائف بديلا عن مكة، فعل ذلك صلى الله عليه وسلم استنادا إلى قراءته
العميقة لمعادلات الإقليم، وتوظيفا لتلك المعادلات في تحقيق النجاح للدعوة.
*وحين
اختار الحبشة للنزوح، لم يفعل ذلك إلا عن فهم عميق للواقع الدولي، معللا تعليل
القائد المحيط بالمعلومات المستوعب للمتغيرات، ان فيها ملكا لا يظلم عنده أحد.
*حين نفقد القدرة على استيعاب هذا الهدي النبوي، نصبح عاملين على البركة، تتقاذفنا الاحداث كما تتقاذف الامواج أكوام القش.
-حين تغيب الرؤية؛ ندخل إلى العملية السياسية عام 2003 وقد اخترنا دون وعي أن نكون فيها أقلية، لأننا تخلينا عن شطرنا السني المكمل لأسباب عاطفية لا علاقة لها بالواقع، فإشباع رغباتنا العاطفية مقدم على اعمال عقولنا في الواقع وفهم معادلاته المعقدة.
-حين
تغيب الرؤية؛ نذهب بمواردنا القليلة، وقدراتنا البشرية المتواضعة، في مغامرة
عسكرية غير محسوبة العواقب، لأننا لم نقرا ونعي ونفهم المعادلات الإقليمية، فسفكت
دمائنا وبددت مواردنا، كي نستبدل شرا بأشر منه، ونخدم بوعي من بعضنا وبلا وعي من
البعض الآخر مشروعا إقليميا معاديا لعقيدتنا وقيمنا.
-حين
تغيب الرؤية؛ ندخل العمل السياسي دون معايير مستندة إلى شورى حقيقة فاعلة، فنتدحرج
في وديان الخطأ المفضي إلى خطأ، على أمل أن نتعلم قبل أن نتبدد.
-حين
تغيب الرؤية؛ نأخذ مواردنا الاقتصادية في مغامرات لا تستند إلى وعي بمعادلات
الاستثمار، ولا دراسة تتكئ الى خبرات اهل الاختصاص، فتتلاشى ونجلس على قارعة
الطريق نندب الحظ العاثر.
-حين
تغيب الرؤية؛ نفقد قدرتنا على التأثير الاعلامي لصالح الخصم، فنتحول إلى صورة
منكرة تتعوذ منها الحاضنة.
-حين
تغيب الرؤية التربوية والتنظيمية؛ نصبح مثل حفنة ماء في الكف، تتلاشي من بين
الاصابع، لا نفقد قدرتنا على تحقيق الكسب الجديد فقط، بل نفقد قدرتنا على التماسك
والبقاء.
*الدرس؛ ان سنن الله غالبة، وأن الملائكة التي لم تنزل لنصرة أحد بعد معكرة بدر، ولن تتنزل لترشدنا إلى طريق النجاح، مالم نتخذ لذلك الاسباب ونستعين بقوة السنن الكونية ثم نتوكل على بارئها.*